| 
	
		
		
			
			 
				
				رواية معنى الوطن 1 _ 6
			 
			 
			
		
		
		( أ ) 
  
كان الجو غائماً فى البيت ، فالأم - تؤيدها الجدة بقوة - توبخ الجميع لتقصيرهم فى  
حق البنات . 
والبنات لم يعدن بنات ، أصبحن أمهات . والأم تصر على أن لهن حقاً علينا  
ولابد أن نؤديه . 
الجدة - مثل الأم - ضجرة متبرمة ، لكنها تحافظ على هدوئها ، حتى وهى توجه 
لنا اللوم : 
- أنتم ثلاثة رجال ، وهن أيضاً ثلاثة . فهل كثير على الرجل منكم أن يتحمل  
مواسم أخت واحدة . 
حاولت مجادلتها : 
- لقد أصبحن أمهات ، وهذا ليس أول أو ثانى رمضان يأتى بعد زواجهن . 
ترد فى حسم : 
- هذه عادة ولن نقطعها  
- لكن المواسم لاتنتهى ، فى كل شهر هجرى موسم . 
يحاول محمد أن يحصى المواسم : 
- 27 رجب ، 15 شعبان ، ورمضان فى أوله الياميش والمكسرات وفى منتصفه  
الكنافة والمشبك وبعده العيد ولابد من العيدية . 
لا تتركه الأم يكمل : 
هذه حجة من رفع يده عن مسئوليات عائلته ، لقد انشغلت بنفسك  
و زوجتك عنا . 
  
يحاول محمد أن يعيد كلامهما لى : 
- زوجته ستلد خلال أيام ، فمن أين له بتكلفة الولادة إن أنفق قروشه على  
الياميش . 
تغيظه الأم : 
أنت وابنى الكبير جمال بتوع نسوانكم ، والشهامة ليست بالعمر ، 
بطنى لم تحمل إلا غريب . 
تؤمن الجدة على كلامها ثم تختم بالدعاء : 
- ربنا يرده سالماً . 
  
*** 
لكن غريب لم يعود . 
فاتت الساعات على موعده ولم يحضر . 
خرج اليوم - ككل يوم - عقب آذان الفجر ، على الكتف يحمل الكرتونة ويغادر  
مصحوباً بدعوات الأم والجدة . 
قال وهو يغادر : 
- السوق اليوم بعيد والكرتونة ثقيلة . 
" بالأمس اشترى الكرتونة فارغة من غندورة بائع الفاكهة . دفع فيها جنيهين .  
فتحها فشممنا رائحة التفاح الذى باعه غندورة . 
ساعدته فى إعداد بضاعته . فتح كرتونة الأكواب الزجاجية . وضعها إلى جوار  
جردل الماء . يغسل الأكواب ويجففها ، ثم يناولها لى . أضع كل دستة أكواب فى  
كيس ، أغلق الكيس جيداً وأنواله لزوجتى ، فمهمتها رص الأكياس فى الكرتونة  
التى كانت للتفاح . 
لما انتهى أحصى الأكواب المكسورة . زفر بأسى : 
- دستة وكوبايتين . كثير والله 
  
سألنى عن عدد الأكياس التى رصتها زوجتى .  
راح يتمتم وهو يحسب التكلفة النهائية لكل نصف دستة قبل أن يحدد 
سعر البيع . 
ولما انتهى أغلق الكرتونة ربطها بالحبل وقام لينام . 
  
هذا ما يفعله كل ليلة . وفى الفجر التالى يخرج حاملاً بضاعته ليعود مع  
العصر منهكاً . 
قد يبكر قليلاً أو يتأخر قليلاً لكن لم يحدث قبل اليوم أن تأخر حتى 
غروب الشمس . 
  
( ب ) 
  
خالف الأب عادته اليومية . 
صلى المغرب ولم ينتظر بالمسجد حتى صلاة العشاء . 
أسرع بالعودة ، سمعته يسأل عن غريب ، وسمعت الجدة تجيب : 
- ربنا يرده بالسلامة . 
دلف إلى الحجرة . كانت الأم تبكى . حاول طمأنتها . لم يفلح ، فهو أيضاً قلق . 
تشاغل بالتليفزيون. سألنى إن كنت أعلم مكان سوق اليوم . أجبت بالنفى .أشعل سيجارة . 
شد نفساً عميقاً . ثم رماها . أطلق الدخان وسعل . داس السيجارة بحذائه وهو يغادر  
الحجرة . هتف بأعلى صوته منادياً محمد . عاد للحجرة وهو يفرك أصابعه . جاء محمد  
فأمره : 
- شف لى أصحاب غريب . 
- سألتهم جميعاً . لم يره أحد اليوم . 
أما يعلم أحدهم أى سوق قصد اليوم ؟ 
- لم يخبر أحداً بذلك ، والمشكلة أن أسواق يوم الأربعاء كثيرة ومتناثرة قبلى  
و بحرى . 
راح محمد يعدد أسماء الأماكن التى تشهد أسواقاً يوم الأربعاء ، استبعد أبى  
الزقازيق والمنصورة فغريب لم يذهب إليهما من قبل . أقصى مسافة قطعها كانت إلى أشمـون . 
قالت أمى أن قلبها يحدثها بأن أهل خطيبة غريب السابقة قد آذوه . ذكرتها بأنهم هم  
الذين فسخوا الخطبة وأنهوا العلاقة تبكى قائلة : 
- طوال عمره وبخته قليل . منذ مولده . 
ينفث أبى غضبه فى التليفزيون . كان المتحدث يتهم غريبا بالتسول . تحدث عن مثل  
مهنته واصفاً إياها بالهامشية ، وإنها أقرب إلى التسول منها إلى العمل وراح يعدد  
أضرارها على الاقتصاد القومى لكن أبى لم يدعه يكمل العدد ، هتف فى محمد . 
- اقفل على ابن الـ…… هذا ، والبيوت المفتوحة من هذه الأعمال تخرب . هذه  
الأعمال تخرب الاقتصاد القومى ولا تخربه سرقة أموال البنوك وتهريبها  
للخارج . 
أغلق محمد التليفزيون . حاولت تهدئة الأب فلم يهدأ . واصل كلامه : 
- تعليم و اتعلم . دخل الجيش وخرج وشغل مفيش . يعمل إيه ..يسرق  
ولا يموت . ؟ 
تضاحك محمد : 
اهدأ يا حاج . هو لا يقصد غريب .  
  
لم يرد الأب . أشعل سيجارة . نفث دخانها باتجاه السقف . تابع فأراً يندس فى شق  
بالحائط .  
هبطت عيناه إلى التليفزيون المغلق . بسرعة صعد بهما إلى صورة جمال عبدالناصر  
المعلقة على الجدار توقف عندها قليلاً ثم تجاوزها إلى صورته الشخصية . كان شاباً يرتدى  
الزى العسكرى . قال : 
- اتصورتها فى سبتمبر 73 ، آخر إجازة قبل الحرب . 
انطفأت سيجارته . أشعل غيرها . لم يطل صمت الأم عاودت اتهامها لأهل خطيبته السابقة. 
  
( ت ) 
  
تعرف غريب على خطيبته السابقة فى أحد الأسواق . أصبحا يلتقيان كل يوم  
أربعاء . بعد شهور فاتح الأب برغبته فى الزواج منها . تذكر الأب صديقاً فى نفس القرية  
. لم يره منذ خرجا من الجيش مع نهاية 1977 . قرر أن يذهب إليه ويسأله عن أهل  
الفتاة ، ولم يعلن رأيه قبل ذلك . 
اصطحبنى الأب إلى قليوب ، و منها ركبنا سيارة ميكروباص إلى القرية . سأل  
السائق عن الصديق ، فأنزلنا بالقرب من منزله . رأيت الصديق طويلاً جاحظ العينين ،  
كان شاحباً ويزداد شحوبه كلما ضحك . ضحك كثيراً هو وأبى وهما يتذكران الزملاء  
ونوادرهم لكن الضحكات غادرتهما وهما يترحمان على شهداء اللواء 25 مدرع . 
ترددت كثيراً كلمات السويس وجبل عتاقة والحصار . ولم ينه حديث الحرب إلا  
نقرات على الباب . قال الرجل : 
- أدخل يا جمال . 
دخل شاب فى مثل سنى . قال أبيه ضاحكاً : 
- له نفس اسمك . 
صافحنا الشاب ثم خرج ليعود حاملاً الطبلية وضعها فى منتصف الحجرة ، وفرد فوقها  
صحيفة قديمة . خرج مرات كثيرة وفى كل مرة يعود حاملاً طبقين . كل طبق بيد . ولما  
امتلأت الطبلية أحضر دورق المياه وأغلق الباب . 
أثناء الأكل تذكر أبى الغرض الحقيقى من الزيارة . 
سأل صديقه عمن اختارهم غريب ، تجشأ الصديق وهو يمتدحهم ، وبعدما شربنا الشاى  
أصر الرجل على أن يصطحبنا إليهم . حاول أبى التريث لكن الرجل زجره وذكره بان خير  
البر عاجله . 
( ث ) 
  
طالت الخطبة 16 شهراً ، لم يطق أهل الفتاة صبراً ، لاموها لرفضها ابن عمها العائد من  
السعودية قالوا : 
- أثرت الصايع . 
البنت طالبت غريبا بأن يفعل شيئاً ، أهلها أمهلوه شهرين وبعدهما ردوا له الشبكة .  
بكى غريب ، و لامتنى أمى : 
- منك لله أنت السبب . أنت الذى شجعته على الرجوع من السعودية . 
" كان غريب دائم الشكوى فى رسائله من إذلال الكفيل له ، بدا راغباً فى العودة لكنه  
يخشى اللوم أراد أن يقول له واحد منا عُد ليعود ، قلتها له فعاد ، لم أستطع أن أجد له  
عملاً . فلم يجد مثل أغلب شباب أبو النمرس . إلا كرتونة يحملها كل فجر ويدور بها  
على الأسواق " . 
		
 نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
		
     |