لعبة الغميضة
			 
			 
			
		
		
		لعبة الغميضة – محمد الفاضل 
 
تكوم جسده المتهالك فوق القبر محاولا ضمه إلى صدره بكلتا يديه وهو يردد بصوت حنون عذب يفتت الصخر  
 
- طلع يا متخبي .... طلع ... 
 
   بدأ يحثو التراب على  رأسه بعد أن خالطت الدموع لحيته المعفرة بالغبار ، عينان زائغتان تحملقان في الأفق البعيد ، جسد براه السقم  وأنفاس تصدر من روح مكبلة بالأحزان ، مثخنة بالجراح ، يتمتم بعبارات مبهمة وهو ينتحب وكأن أحزان الكون قد تجمعت فوق رأسه . 
قبور متراصة ، تمتد بعيدا وقد نبتت شقائق النعمان وبعض الحشائش على جوانبها ، توزع بعض رواد المقبرة على مقربة منه ، بعضهم يضع الزهور ، والبعض الآخر يرتل القرأن ، نساء متشحات بالسواد وقد تعالى عويلهم ، الحزن يلف المكان . 
 
لم يدر كم مضى على وجوده وهو مستغرق في النوم ، أستجمع ما تبقى له من عزم ومضى يجر أرجله بتثاقل ، حتى شارف على أطلال منزل مهدم بعد أن سوي بالأرض ، في صباح ذلك اليوم الربيعي ، قرر أحمد أن يقضي بعض الوقت مع ولده الوحيد ، يلاعبه بحنان كي يعوضه عن التقصير في الأونة الأخيرة . 
جلست الزوجة ترقب المشهد ، وقد ارتسمت على محياها ابتسامة عريضة ، مر زمن لم يدخل الفرح قلوبهم ، أصبح الترقب والقلق ضيفا ثقيلا وشبح الموت يجثم فوق القرية الوادعة ، يرفض أن يغادرها ،  
 
- يلا نلعب لعبة الغميضة ، بابا . من زمان مالعبناها . بدأ وليد يستعطف والده . 
 
- على عيني ، يا بابا . أنا راح غمض وأنت حاول تتخبى .  
 
بدأ الولد يجري مسرعا وقلبه يكاد يقفز من الفرح ، يبحث عن مكان يختبئ  فيه ، أغمض الأب عينيه وبدأ يعد ، واحد ... أثنان ... ثلاثة ... ها .. خلص ولا لسه ؟  
نهض أحمد وبدأ ينادي بأعلى صوته ،  
 
- طلع يا متخبي ... طلع ... أنا جيت ... وينك ؟ 
 
بدأ يبحث عن وليد في أرجاء المنزل ، قادته قدماه إلى المنزل المجاور الذي قصفته الطائرات في الأونة الأخيرة وقد كان وليد خلف أحد الأعمدة المتبقيىة ، اقترب منه محاولا الإمساك به ، ولكنه لم يبد حراكا ، رصاصة قناص أخترقت قلبه الصغير وخرجت من ظهره ، تاركة بقعة حمراء . 
 
السويد – 29 / 9 / 2016 
 
 
 
 
		
 نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
		
     |