| 
	
		
		
			
			 
				
				شكوى
			 
			 
			
		
		
		يتعثر القلم بيدي . أقيله . يتعثر ثانية . أنهضه . أنفض غبار عثرته . أداويه . أرمم كيانه ! 
يتطلع إلي بعينين منكسرتين : _ أنا لن أستطيع السير معك ! 
أشدُه . أمرر أصابعي بحنو على طوله . يزداد ألما وشكوى وعتابا ! 
: _ قلت لك لاأستطيع ! لاأستطيع ! 
يتمدد أمامي كسيحا ، ميت الأعضاء ، فاقد الحركة ! 
الفكرة تلح . وداخلي يضطرم ! 
أمسك دفتري بعنف . تتثاءب الورقة . تتمطى . تفتح مقلا ناعسة ، وتمد يديها على طولهما . تديم النظر إلي بشزر 
، وتعطني ظهرها باستياء . تصمت برهة . تهرش رأسها ، ويأتني صوتها شاكيا ، نصف نائم ! 
:_ عمر وانت تخط على ظهري ! أنا لن أعد أحتمل  تكرار كتاباتك ! 
أدير الورقة على وجهها ! تشيح بقسوة ! تتعارك معي . أضربها . ألكمها . أكوِر قبضتي وأفترسها . تتراخى بلا حول مهشمة ، مفزعة ! 
الفكرة لا زالت تلح . داخلي يضطرم . تتشكل الكلمات في مخيلتي . تتصاخب بعنف . تمد رؤوسا مستاءة : 
_ ماذا تريد أن تقول ؟ تندب مجددا ؟ تصف طلولا داثرة ؟ ترقب مثلا آتيا ؟ تلعن من حولك وما حولك ؟ مللت 
لعنتك وندبك ووصفك المكرر . اهترأت كلماتي ، وماعاد شئ يرضيك ! 
أنا كرهتك ! وجاء دوري لألعنك وأندبك ! 
أدهش . أحاول أن أضحك . تخرج ضحكتي هازئة شاكية ! لكنما الفكرة تلح . تدق بقبضة قوية أبواب ذاتي ! 
أعاود محاولة الضحك . 
:_ تضحك ؟! 
أنت ضحكت كثيرا ، وضحتك اليوم ستضحك الآن عليك ! اصمت ! اصمت ، ولاتتكلم ! والغ منذ اللحظة هزءك 
وسخريتك ! 
تدمع عيناك ، شاردتين ! 
:_ تبكي ؟! 
دمعك كسل وخمول ولا حركة . قم . انهض . تحرك . صح بصوت عال ، بلغة جديدة ، وبكلام جديد . وشاهد الدنى والأكوان بعينين جديدتين ! 
الإنسان قوة وفعل وحركة . والفكرة مشاركة واجتماع وعطاء . لقد قلت ذات يوم إن بيوت عناكب الفكر واهية ، 
ووكر نسور الفكر عال . يبني الأول السفهاء ، ويصل للآخر الأشداء ! السفهاء واحد يتكرر بصور متعددة ، والأشداء غير ماواحد ! القول النسر فعل ، لأنه جمع . والجمع قوة ، وحياة , ويقين ! 
الأمل ضوء ، ونور ، وصدق . والفرد وهم ، وسراب ، ولاأمل ! 
أردت الله ، والله مثلٌ وجمعٌ ، وماكان يوما ضبابا أو احتواء فرد . منهاجه دفق حياتي معاش ، وسلوك إنساني 
رفيع ! 
الرفعة معاملة . والمعاملة أثر حي متحرك مع الآخرين . 
لقد صبوت لدقائق الكشف ، فعرفته . وتمنيت الرؤى فشاهدتها . وطلبت السمو ، فحلقت ! كنزت الأنوار ، وقال 
قلبك ياالله بصدق ! 
ورأيت خليل الله وصفَيََه . قبلت يده ، وشممت  عطر ثوبه ، وعاهدته ، ودعا لك ، وجلى ران عينيك . فماذا بعد 
؟! ومن تنتظر ؟! 
هل ستُسأل غدا عن الأنوار وعالم النجوم ومعارج الروح ؟ أتراك أعطيت فتحا جديدا ؟ فتحت دربا مغلقا ، ومسلكا مرتجا ، فرُئيت فيك أثر لذة الوصول ؟ أشرب غيرُك مما شربت ، فسقي بأكؤس لذة الحق ؟ أتيقنت أن الله 
دنيا واسعة نسعى فيها بصدق ، وآخرة نهاية مطاف ، نتوق إليها ، وأن ذلك ليس انطواء وبعدا ؟! 
أنا أعرف كيف ماتت نفسك . كيف وضعتها في لحدها بيديك ، ودفنتها رضيا مرضيا ! غسلت قلبك بالشهد ودمع المطر ، وبقيت دنياك صورة ضرورية ! فهل عرفت أنها ضرورية ، فوجب كمالها ؟! 
إن احتواء  الآخرين فعل ، وليس رغبة ! وكما جاهدت في الأولى ، ستجاهد في الثانية أكثر ! 
هل فهمت ؟! 
لاأعرف ! لكنني لن أكلمك ثانية ! 
10 / 9 / 1988 م 
 
 
		
 نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
		
     |