إلى روح القريب الراحل 
  الأستاذ محمد نجاح شبيب
  
  عندما يرحل عن   الدنيا شخص قدير ، إنسان مكتمل الإنسانية ، تسمع القلوب الحساسة أصداء   الحزن تتردد في كل مكان، بين الأشجار ، و المياه ، و العناصر كلها .
   تسمع الألم يعتصر قلب الإنسانية المكلوم بجروحه الكثيرة ، تلك الإنسانية التي غدت لا تقدرعلى تعويض من فقدت .
   و   عندما يرحل عن الدنيا إنسان مكتمل الإنسانية يهطل مطر غريب ، فتقشعر  أوراق  الشجيرات الشتائية حزناً ، و يتقطر منها الندى المشغوف بأصداء  القلوب  المتكسرة فرقاً .
   و عندها تتردد أصوات غريبة تجاوب البرق و الرعد من السماء المكفهرة المغشاة بظلل الغمام .
   و عندها تتجمد الدموع في مآقي الحزانى ، و هم يستردون بعقولهم مشاهد صحو الإنسانية الغافية في شخص كان من رعاتها .
   يا   للقلوب حين تتفطر للفقد ، و تحمل فيما تحمل المشاعر البيضاء الرقيقة   لأصحاب القلوب الطيبة المعانين من ثقل الحياة التي تجرحهم بمداها الصقيلة .
   تلك   المصيبة .... فليس موت كل امرئ من الرزايا ، بل الرزية الحق فقد من يعمر   بقلبه دنيا كاملة ، و ليس ذاك إلا الإنسان الذي ملأ قلبه الحب للناس حوله ،   و تجرَّد من أهواء الحسد و البغضاء و الضغينة .
   فللدنيا وجوه ، و خير وجوهها صلاح القلوب في ذويها ، و ليس ذلك بكثير – و يا للأسف – بين البشر في أيامنا هذه .
     رحلت و أنت أنت ، إيمانك بربك لا يتزعزع ، و حبك لمن حولك لا يتزعزع ، و حماستك لدينك و أمتك لا تتزعزع .
   رحلت و أنت أنت ، لطيف رقيق شفوق ، صاحب قلب يرفرف في سماء المحبة ، و يعطر الأجواء بمسك الخلق .
     فقد كنت ممن يلقنوننا كل يوم دروس الإنسانية بعملهم ، لا بالكلام المتهافت ، و الشعارات المحنطة .
     عسى أن يكون لنا في ذكراك سلوى عن غيابك ، وإن كانت الذكرى ليست أبداً كالحضور .
   وداعاً أيها الكبير ..... كم خسرنا بفقدك 
   وداعاً ..... يا من عرفنا اليوم كم كنا نحبه 
   ذلك أن المحبة لا تعرف عمقها إلا ساعة الفراق 
   و خلفك الرحماتُ الغرُّ صاعدةً 
   بها لألسنة الكونين ترديدُ