25 / 07 / 2010, 52 : 01 PM
			
			
		 | 
		
			 
			رقم المشاركة : [1]
			
		 | 
	
	| 
			
			 أديب وقاص ومترجم أدبي  ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب 
			
			
			
 
			
			
 
	 | 
	
	
	
		
		
			
			 
				
				رياض العشـــــاق
			 
			 
			
		
		
		[align=justify] 
رياض العشـــــــــــــاق  
  
ألقيت التحية على بعض الزملاء المتحلقين حول إحدى الطاولات بمقهى كونتننطال ، و اخترت مكانا لي في ركن قرب النافذة العريضة . نظرت إلى ساعتي اليدوية . لا تزال عشر دقائق على موعدي مع فريد . جلست أتصبب عرقا بعد أن وصلت بجهد جهيد إلى الرصيف ونجحت في اجتياز الحواجز المتراصة على جانبي الطريق المؤدية إلى المحطة الطرقية . سيمر الملك بعد قليل . الجماهير بدأت تصطف لرؤيته قادما من Rincon .  
قضيت العشر دقائق في قراءة الجريدة . رائحة الانتخابات تملأ الجو ، و فريد صديقي لم يأت بعد . ما الذي أخره ؟ صرت أشفق عليه في الأيام الأخيرة . تبدل مزاجه وانقلب شخصا آخر رغم أن ميله للانعزال والتكتم صار مألوفا لدي . قال لي إنه سيمر على رياض العشاق . ابتسمت له وقلت مازحا : 
- هيا يا دون خوان ... أرنا شطارتك . 
كنت أعلم أنه وقع بشباك إحداهن ، و أجهدت نفسي في معرفة من هي ، حتى نبهتني خطيبتي إلى أنني صرت مهووسا بذلك . كان فريد ينهض باكرا كل صباح ، وينطلق وحيدا . ربما لم يكن متأكدا من شعور فاتنته أو أنه لمس منها إعراضا ، لكنه تمسك بالأمل وقرر التكتم . نعيش في هذه الأيام فترات حاسمة بعد إعلان التعيينات بمدرسة المعلمين و اطلاعنا على منطقة تعييننا . نشعر نسبيا بالارتياح لقرب القرية التي سنعمل بها من مدينتنا رغم اختلاف الفرعيات .  
الساعة الحادية عشرة . اليوم جميل ، والمدينة تبدو متألقة في انتظار عيد مولد الملك .. يقبل فريد و علامات التجهم بادية على محياه . 
- هيه.. ما الأخبار ؟ 
- لا شيء يذكر .. قل لي متى نسافر للبحث عن السكن ؟ 
ضحكت و أنا أنظر إلى أحدهم وهو ينهر صبيا يبيع السجائر . 
- أراك متلهفا للسفر ..هل طالت العطلة أم تراك تستعجل عالم التدريس ؟ 
- كلا .. بل مللت هذه المدينة ومن فيها .  
- لا عليك .. اجلس وخذ عصيرا .. سوف نتحدث في موضوع السكن عندما تأتي لمياء خطيبتي . 
تنهد فريد ، فعلمت أني وضعت يدي على جرح لا يندمل بسبب فشله في تجربته العاطفية . قلت لأبدد جو الكآبة : 
- أين وصلت في نظم قصيدتك ؟ 
لمعت عيناه كأنما ذكرته بشيء كاد ينساه مع توالي الأحداث و الانشغال بالتعيينات وقال : 
- لا زالت تراود مكانها .. لكني قد أضيف أبياتا أخرى . 
- ألا تطلعني عليها ؟ 
- عندما أتمها سأنظر في الأمر. 
- قل لي .. هل أعتبرك جميل بثينة أم أنك تقتفي أثر عمر بي أبي ربيعة ؟  
أثرت حماسه فانطلق يقول وقد انتفى عنه الوجوم : 
- أنا لا هذا ولا ذاك .. أو قل.. خليط منهما .  
- لم لا تنشر إنتاجاتك ؟  
نظرإلي برهة وقال : 
- فكرة جيدة لم تخطر لي في البال .. ثم إنك تعرف صعوبة النشر في هذا البلد ..على أية حال .. حينما أنتهي سأفكر في الأمر . 
ارتشف من العصير ثم أردف و هو يرمق ما حوله شزرا : 
- اسمع .. لقد سئمت الجلوس في هذه المقهى .. أحس أن العيون تلاحقني في شماتة واستهزاء .. 
قلت و أنا اربت على كتفه مطمئنا : 
- لا تحمل هما .. هي عادة من يجلس في المقهى ..  
كنت أعلم أنه يتحرق شوقا للجلوس في "رياض العشاق" ، مهد غرامه ، كما يردد دائما في مرارة .. فهناك رأى محبوبته لأول مرة وسقط في شباكها من أول نظرة . وكثيرا ما شدني الفضول إلى معرفة من الفتاة التي هام بها صديقي . فأنا أعرف ذوقه من خلال انتقائه لملابسه و عنايته القصوى بترتيب حوائجه و عنايته بالورد و خطه الجميل . لكن محاولاتي باءت بالفشل . و استعنت بخطيبتي لعلمي باطلاعها على أسرار زميلاتنا من الطالبات المعلمات ، لكنها كانت تجيب ضاحكة : 
- متى تقلع عن عادتك هذه في التجسس على الناس ؟ 
- أعوذ بالله من التجسس .. أنا فقط مهتم بصديقي .. و مصلحته .  
لا أنكر أني توجهت يوما ، ربما على غير وعي مني ، إلى رياض العشاق الذي هجرته منذ الصبا لحالته المزرية . كان هناك قرد يتسلى الناس برؤيته . لكنه كان يثير الاشمئزاز و الشفقة لبؤسه و خموله ... الآن ، وقد استعاد الرياض رونقه ، لا أجد حرجا في المرور قرب نافورته الأندلسية . أتفحص الوجوه ، من غير سوء نية طبعا ، لعلي أحدد ملامح الفاتنة المجهولة .. هذه الملامح التي بدأت ترتسم في مخيلتي منذ أن فاجأت فريدا مترنما وهو جالس على ربوة تشرف على الوادي الفاصل بين مقر سكناه و مدرسته التي يعمل بها : 
ونسيت دائي حين جاء دوائي ///// من ذا يقاوم نظرة السمراء  
صحت و أنا ألوح بذراعي : " الله... الله... أين أنت يا كاظم...؟ 
التفت إلي مرتاعا من صيحتي ، ثم عاد لتأملاته . أمس... أفضيت إلى لمياء بهواجسي وخشيتي على فريد من وحدته و انعزاله : 
- صرت لا أعلم نهاية كل هذا .. بل لم أعد أعرف هل يتكلم عن وعي أم به مس ... يتحدث عن العالم والخيانة و الظلم ، ثم يلعن الدنيا و يهدد بثورة يقودها لتحرير العالم من الأباليس ... ثم فجأة ينهض خطيبا كأنه في البرلمان ويتحدث عن قوانين الحب ومساطر الغرام و مدونات العشق، ثم يدعو النواب للتصويت ويبدأ في التصفيق ...  
- و ما العمل الآن ؟ 
- تسألينني .. و أنا كنت أنتظر منك حلا ؟... أليست لديك فكرة عما يجب فعله ؟ 
- أسمع ... حل مشكلته بيده ... وهذا طبعا يعتمد على قوة إرادته في النسيان ... عليه أن ينظر إلى المستقبل بتعقل و... يقلع عن تصرفات المراهقة هذه . 
أزعجني رأيها ، لكني وجدته صائبا . وفريد يأبى ذلك ويعيشه . حدثني عن محبوبته التي آلى على نفسه عدم نسيانها رغم صدها له . قال إنه يكفيه العيش على ذكراها واستحضار صورتها كل حين . 
أسر لي أنه سيقضي عطلته الصيفية بإسبانيا . تفاءلت خيرا لعلمي بما قد يحدثه السفر من تغير . حذرته مازحا : 
- احذر أن تقع في شباك الأندلسيات أو الغجريات .  
- لا تخف – رد ساهما – لقد اكتسبت مناعة في العواطف . 
- ثم... لا تطل الغياب .. عد لتحضر زفافنا .. أنا ولمياء . 
نظر إلي مليا . عادت مسحة الحزن تغشى عينيه . قالت لي لمياء إني أخطأت بذكر الزواج أمامه . 
- كيف .. هل أقيم حفلا ولا أدعوه ؟ 
- على أية حال .. لا تنتظر حضوره .. فلن يأتي .  
كنت أعلم صحة قولها . و ربما كان اختياره للسفر إلى إسبانيا خلال الصيف ذريعة للابتعاد عن أجواء الاحتفال . فهو يخشى أن يكون محط الأنظار بعد فشله في تجربته الأولى ... و الأخيرة . هكذا قال وهو يودعنا في آخر يوم من السنة الدراسية . حزم حقائبه و أخذ كل أمتعته كمن يروم عدم العودة نهائيا . لم نسأله . أحسست بشيء أفتقده إلى الأبد . بقيت أنا و لمياء نحزم بعض الأمتعة وننتظر أحد البدويين الذي وعدنا بإيجاد سكن جديد لنا . لن أنسى عناقه الحار ونظرته الدامعة إلي ثم إلى لمياء وهو يصافحها ، خجلا من اطلاعها على أسراره ، قبل أن ينحدر إلى أسفل الوادي حيث الطريق الرئيسية .  
في هذا المساء ، و أنا جالس ولمياء على حافة الوادي ، يتنابني شعور غامض من الفرحة والقلق .. بداية العطلة ولقاء الأحبة .. قرب حفل الزفاف و ترتيباته وما يعقب ذلك من حياة جديدة .. رحيل فريد و غموض مصيره .. حتى ساعة الأصيل هذه تزيد في تأجج هذه المشاعر، و الشمس تتخلل أشعتها أشجار الصنوبر المتراصة أمامنا . نظرت إلي لمياء متوجسة وقالت : 
- أراك ساهما .. يبدو أنك ألفت المنطقة ... أم أن رحيل فريد قد أثر فيك ؟ 
- صدقت .. لكن انظري .. 
ناولتها كتابا مدرسيا كنت أعرته لفريد كي يحضر درسا منه . 
- ماله ؟ 
- افتحيه . 
سقطت ورقة فالتقطتها لمياء . كانت عبارة عن أبيات شعرية ، كلها شكوى و أنين وعتاب . هي القصيدة التي كان فريد يروم إكمالها ونشرها كما نصحته بذلك من قبل . كان آخر بيت يحمل الكثير من الشطب و التعطيل قبل أن يستقر أخيرا كما يلي : 
لو أن كل معاجمي أسماءها ///// عظمت لما جلت عدا لمياء  
التفت إلى لمياء وقد احمرت وجتناها .. لكن سمرتها كانت طاغية وقد مالت الشمس للمغيب . 
[/align]
 
 
 Rincon : مدينة ساحلية صغيرة بشمال المغرب يقيم بها الملك صيفا ويطلق عليها اسم "المضيق" 
		
 نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
		
     | 
    | 
		
		
		
		
	 | 
	
		 
		
		
		
		
		 
	 | 
	
	
	
		
		
		
		
			 
		
		
		
		
		
		
		
			
		
		
		
	 |